«الأمل».. سيرة ذاتية للبابا فرنسيس تستعرض رؤيته للعدالة والكرامة الإنسانية

«الأمل».. سيرة ذاتية للبابا فرنسيس تستعرض رؤيته للعدالة والكرامة الإنسانية
السيرة الذاتية للبابا فرنسيس "الأمل"

أصدر البابا فرنسيس كتابًا جديدًا بعنوان "الأمل"، بالتعاون مع الصحفي الإيطالي فابيو ماركيزي راغونا، يناقش فيه دور الأمل في مواجهة الأزمات العالمية، ويسلط الضوء على أهمية العدالة الاجتماعية، وحقوق الإنسان، والتضامن في عالم يعاني من تصاعد الصراعات والتحديات البيئية والاقتصادية.

ووفقا لتقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي"، السبت، يتحدث البابا فرنسيس في هذا الكتاب، عن رؤيته للأمل باعتباره ليس مجرد شعور فردي، بل قوة جماعية قادرة على إحداث تغيير حقيقي في المجتمعات.

ويؤكد البابا أن الأمل يجب أن يكون مرتبطًا بالفعل والعمل الجاد من أجل تحقيق العدالة والكرامة للجميع، وخاصة للفئات الأكثر تهميشًا.

قضايا إنسانية

يطرح الكتاب العديد من القضايا المهمة مثل الفقر، والهجرة، والتغير المناخي، والسلام، ويقدم تأملات عميقة مستوحاة من خبرته الروحية والعملية، كما يسلط الضوء على أهمية الحوار بين الثقافات والأديان كوسيلة لتعزيز السلام والتفاهم بين الشعوب.

ومن خلال الأمل، يوجه البابا فرنسيس دعوة صريحة إلى قادة العالم وصناع القرار لتبني سياسات قائمة على الرحمة والعدالة، والتخلي عن المصالح الضيقة التي تؤدي إلى تفاقم الأزمات، كما يشدد على أن التغيير الحقيقي يبدأ من الأفراد والمجتمعات التي تؤمن بأن الأمل ليس مجرد فكرة، بل التزام أخلاقي تجاه الإنسانية بأكملها.

ويعكس هذا الكتاب فلسفة البابا فرنسيس التي ترتكز على التعاطف والعدالة، ويعد إضافة مهمة للنقاش حول حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، في وقت أصبح فيه العالم في أمسّ الحاجة إلى رؤية مستنيرة تعيد للإنسانية قيمها الأساسية.

على مدار 2000 عام، ظل منصب البابوية قائماً، لكن تأثير الباباوات على الساحة العالمية تباين بشكل كبير عبر العصور، ففي العصور الوسطى، تحدث الباباوات بثقة القادة الذين زعموا أنهم أصحاب السلطة على الملوك والأباطرة، وكانوا يتوقعون طاعتهم، لكن بحلول النصف الأول من القرن العشرين، تقلص نفوذ البابوية بشكل كبير، فعلى الرغم من أن البابا بنديكت الخامس عشر ندد بالحرب العالمية الأولى مبكراً، فإنه لم يجرؤ على توبيخ الحكومات المشاركة فيها إلا بعد مرور 3 سنوات على اندلاعها، وعندما فعل، كتب رسالة أدان فيها "المجزرة عديمة الجدوى" وبدت كأنها اعتذار عن تدخله.

شخصيات كاريزمية

استعاد الباباوات ثقتهم منذ ذلك الحين، إذ أعاد شخصيات كاريزمية مثل يوحنا الثالث والعشرين وبولس السادس حق الكنيسة في محاولة توجيه قادة العالم، حتى وإن لم يكن بإمكانهم إصدار الأوامر لهم، لذلك تأتي سيرة البابا فرنسيس الذاتية "الأمل" في هذا السياق، حيث تبدو كأنها محاولة من البابا لإيصال صوته في عالم يبتعد أكثر فأكثر عن كل ما يؤمن به.

وُلد البابا فرنسيس باسم خورخي ماريو بيرغوليو، وأصبح بابا الفاتيكان عام 2013 عن عمر يناهز 76 عامًا، يُعد الأرجنتيني فرنسيس، ربما، أكثر القادة تقدمية في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية.

جعل فرنسيس قضية المهاجرين الفارين من الحروب والفقر محورًا أساسياً في حبريته، إذ دعا الحكومات إلى تبني سياسات "إنسانية"، واعتبر رفض مساعدة المهاجرين "خطيئة جسيمة".

كما انتقد إخفاقات الرأسمالية المتحررة، وحذر من مخاطر الاحتباس الحراري وعدم المساواة الاقتصادية، كما مدّ يده إلى الكاثوليك المثليين وخاض معارك صعبة أخرى داخل الكنيسة، مثل توسيع دور النساء والسماح للكاثوليك المطلقين الذين تزوجوا مرة أخرى بتناول القربان المقدس.

وتوضح ملاحظة في نهاية الكتاب أن "الأمل" كان من المفترض أن يُنشر بعد وفاة البابا، لكنه قرر تقديم موعد النشر بسبب "الظروف الراهنة".

صراع بين الباباوات والشعبوية 

بعد أسبوع من صدور الكتاب في منتصف يناير، تم تنصيب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة لولاية ثانية بعد تعهده بترحيل أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين واتباع سياسات توسعية في التنقيب عن النفط، ومن أولى خطواته انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، كما فعل في ولايته الأولى، وتجميد جميع برامج المساعدات الخارجية تقريبًا.

وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، تزدهر الأحزاب الشعبوية التي غالبًا ما تتبنى خطابًا معاديًا للأجانب، فحكومة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، التي تنتمي إلى تيار ما بعد الفاشية، تسعى إلى اعتراض قوارب المهاجرين في البحر وإرسالهم إلى مراكز احتجاز في ألبانيا.

كما أن أحزاب اليمين المتطرف تشارك في الائتلافات الحاكمة في هولندا وفنلندا والسويد، وأصبحت القوة السياسية الأكبر في البرلمان النمساوي بعد انتخابات سبتمبر الماضي، ومن المتوقع أن تحقق مكاسب تاريخية في الانتخابات المقبلة بألمانيا، في الوقت ذاته، يصف فرنسيس النزاعات المتعددة المشتعلة، من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، بأنها "حرب عالمية ثالثة مجزأة".

في مواجهة هذه الصورة القاتمة، لا يكتفي "الأمل" باستعراض الماضي، بل يتناول الواقع الحالي، ويدافع البابا عما يسميه "حق الهجرة"، إلى جانب تحذيره من تغير المناخ واستغلال العمال الفقراء.

موقف البابا من حرب غزة 

يخصص الكتاب صفحات للنزاعات المسلحة، إذ يدعو إلى "إسكات أصوات الأسلحة والتفكير في الأطفال"، ورغم أن هذه العبارات قد تبدو عامة، فإن البابا لا يتردد في استخدام لغة أكثر حدة عند الحديث عن الحروب.

فقد وصف هجوم حركة حماس في 7 أكتوبر 2023 ضد إسرائيل بأنه "عمل همجي"، لكنه اعتبر كذلك أن الحملة الإسرائيلية على غزة "وحشية"، كما وصف عمليات قنص الفلسطينيين في غزة بأنها "إرهاب".

يقدم الكتاب سردًا مفصلاً لحياة فرنسيس المبكرة، ما يمنح القارئ فهمًا أعمق للقيم التي يتبناها، يفتتح البابا سيرته الذاتية بوصف غرق سفينة مهاجرين إيطاليين كانت متجهة إلى أمريكا الجنوبية عام 1927، وهو حادث أودى بحياة المئات، ويشير إلى أن أجداده، الذين كانوا من شمال إيطاليا، اشتروا تذاكر الرحلة لكنهم قرروا تأجيل سفرهم إلى الأرجنتين في اللحظة الأخيرة.

يستغل البابا هذه المأساة، التي كانت موضوعًا متكررًا في أحاديث عائلته، للتأكيد على مدى ارتباطه العميق بقضية المهاجرين، كما يستعرض نشأته في حي فلوريس متعدد الثقافات والأديان في بوينس آيرس، وانخراطه في الأوساط البيرونية والاشتراكية خلال مراهقته.

ما الذي أغفله الكتاب؟ 

وفقا لرؤية "فورين بوليسي"، رغم الطابع الشخصي لبعض فصول "الأمل"، فإن الكتاب يتجنب التطرق إلى بعض القضايا الشائكة في تاريخ فرنسيس والكنيسة الكاثوليكية، فعلى سبيل المثال، يمر البابا سريعًا على دور الكنيسة الكاثوليكية الأرجنتينية في "الحرب القذرة" خلال السبعينيات والثمانينيات، عندما قتلت الديكتاتورية العسكرية المدعومة من الولايات المتحدة عشرات الآلاف من النشطاء والنقابيين اليساريين.

ولا يتطرق إلى الاتهامات التي وُجهت إليه شخصيًا بشأن تعاونه المزعوم مع النظام العسكري أثناء قيادته للرهبنة اليسوعية في الأرجنتين بين عامي 1973 و1979.

كما أن مناقشته فضائح الاعتداءات الجنسية داخل الكنيسة، التي هزّت المؤسسة الكاثوليكية لعقود، لا تتجاوز 3 صفحات، حيث يكتفي بتقديم إدانات عامة وطلب المغفرة، لكنه لا يخصص مساحة كافية للإجراءات التي اتخذها لمعالجة المشكلة، مثل رفع السرية عن الوثائق الداخلية وجعل الإبلاغ عن الانتهاكات إلزاميًا داخل الكنيسة.

البابا في مواجهة الشعبوية 

بعيدًا عن الجدل الداخلي في الكنيسة، يوجّه "الأمل" انتقادات صريحة لما يسميه البابا "الشعبوية المشوهة" و"القومية المتطرفة"، ويرفض تصوير المهاجرين على أنهم "غزو" يجب التعامل معه بالموانئ المغلقة والجدران الخرسانية ومراكز الاحتجاز.

رغم أنه من غير المرجح أن تغير أي حكومة سياساتها بسبب انتقادات البابا، فإن صعود اليمين المتطرف في الغرب يجعل صوت الفاتيكان أكثر وضوحًا، وكما قال المؤرخ جيوفاني فيلورامو لمجلة "فورين بوليسي"، فإن هذا "يوفر مساحة أخلاقية يمكن أن يلعب فيها فرنسيس دورًا مهمًا".

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية